“أحوال” مع دنيز رحمة فخري في الميدان و”تفلفش” أوراق 28 سنة من الصحافة
فخري "بنت الأرض" وجعبتها مليئة دائماً
خلسة يتسلّل الوقت الى مسيرة دنيز رحمة فخري المهنية، إذ مضى 28 عاماً على دخولها معترك الإعلام ورغم ذلك لم يعرف شغفها بالبحث عن المعلومة وصناعة الخبر أي خمول أو تعب بل زاد زخماً مع مرور السنين رغم صعاب المهنة.
الجمهور يعرفها من خلف الشاشة كمراسلة ومحاورة أو من خلف السطور كصحافية وكاتبة مقال، والزملاء يجمعون على صدقها وشفافيتها إلى جانب مهنيتها. “أحوال” رافق دنيز رحمة فخري الى الميدان خلال زيارة الوفد الاعلامي اللبناني بدعوة من “الرمغافار” الى أرمينيا وجمهورية أرتساخ.
“جعبة” دنيز
الأوقات مقدّسة لدى دنيز وجعبتها مليئة دائماً بأسئلة للحصول على جديد بـحنكة ودماثة لا لرفع العتب، وعينها ثاقبة لرصد أي معلومة أو رواية متمترسة خلف وجه أو مشهد.
قبل أن توصل أغراضها الى غرفة الفندق في غوريس الحدودية بعد مشوار منهك لخمس ساعات من العاصمة يريفان، شدّها مشهد النازحين من أطفال ونساء وعجزة في الردهات فسارعت الى إصطياد أخبارهم.
أما في الميدان في قلب العاصمة ستبيناكيرت، فكانت دنيز تسابق صفارات الإنذار وسقوط القذائف على توثيق اللحظة. وحين طاردتنا طائرة مسيّرة drone، كانت سرعتها في التصوير تتفوق على سرعتها في الاختباء. كذلك لدى تعرّضنا للقصف خلال توثيق إستهداف الكنيسة في بلدة شوشي، حيث بحّت حناجرنا ونحن ندعو دنيز الى الإسراع الى طابق سفلي فيما هي تسجل رسالة على وقع أصوات القذائف والمضادات والـ drone.
عودة الى البدايات
“سنتي الجامعية الاولى كانت في كلية الصيدلة ولكن لم أجد ذاتي هناك، لذا قرّرت تغيير إختصاصي وانضممت الى كلية الاعلام في الجامعة اللبنانية. فمنذ الصغر كنت أكثر من الأسئلة وأستمتع بالبحث عن الأجوبة. كما كنت أحب اللغة العربية ومتابعة الأخبار”، بهذه البساطة توجز إختيارها دراسة الإعلام.
أما في مضمار العمل، فالبداية كانت عام 1992 في مجلة “المراقب الإنمائي”. لا تخجل بأنها رُفِضَت حين قدمت للمرة الاولى للدخول الى الـ LBC حيث قيل لها “شكلك طفولي وصوتك رفيع”. لكنها ثابرت وإشتغلت على ذاتها، فكرّرت التجربة وأجرت إختبار كاميرا أمام الأستاذ الراحل ايلي صليبي بثلاث لغات. بعدها تلقت إتصالاً من رئيس مجلس الادارة بيار الضاهر الذي قال لها: “تم قبولك ولكن بدك تشدي حالك وتكوني قدا”. وكان الدخول الى المؤسسة اللبنانية للارسال يومها “شغلة مهمة”.
أول STAND UP
“أول التغطيات كنت مع الزميل ميشال غندور. أول STAND UP لي أتى بعد سنوات وليس أشهر على دخولي المحطة فيومها كان للهواء قيمة وللمشاهد إحترام”، وتتابع شريط الذاكرة: “في البدء كنت أُرسَل بتغطية نشاط البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير، لأن في ظل زمن الوصاية كان المطلوب ألا يكون خبر بكركي اولاً. بعد عام 1996، بدأت تغطية نشاط مجلس النواب والصحافي الذي لم يغط ساحة النجمة لا يعلم الحبكة السياسية في البلد والخبايا والحياة التشريعية. في مطلع الألفية بدأت أغطي جلسات مجلس الوزراء. إبتداء من العام 2005، بدأت أتخصص أكثر بالملفات السياسية أنطلاقاً من مشهدية 8 و14 آذار”.
عام 2010، إنتقلت فخري الى الـ mtv بعد أشهر على قرار وصفته بـ”الجائر” بفصلها وزميلات من الـlbc. منذ أيار 2020، توقفت عن العمل كمراسلة وإكتفت بإطلالتها كمحاورة في برنامج “بيروت اليوم”.
كما خاضت تجربة الكتابة في جريدة “الجمهورية” واليوم تكتب في “الاندباندت عربية”، كذلك تعلّم منذ سنوات طلاب السنة الأخيرة إعلام في جامعة بيروت العربية.
المراسل يصنع نكهة أخبار كل محطة
لا عقدة مواضيع سياسية لدى فخري، وهي تقول في هذا الاطار: “الموضوع هو القيمة وليس نوعيته. مقاربتك له وكيفية تقديمه للمشاهد أو القارئ هي الأساس وهذا هو التحدي”. كما لا تؤمن بنظرية التراتبيّة في الأهميّة بين المقدّم والمراسل، وتقول: “المراسلون يصنعون نكهة أخبار كل محطة لا مقدمي النشرات. فالمباشر أمام الكاميرا في ظروف قد تكون صعبة والحصول على معلومة دقيقة وسكبها بحنكة وصوغها في حبكة إعلامية رصينة وجذابة في آن ليس بالأمر السهل”.
تأسف فخري أن “الزمن البائس” الذي تحدث عنه البطريرك صفير آخر أيامه ينطبق على عالم الإعلام أيضاً، وتقول: “الإعلاميون اليوم لا يتعبون ويريدون الوصول بسرعة ولا يتقبلون ملاحظة”.
تستلذ فخري بالكتابة حيث تعتبر أن بالإمكان التوسّع أكثر في الموضوع وهامش التحليل والتعبير عن الرأي فيها أكبر، مضيفة: “يجب على الأسلوب في الصياغة أن يعوّض عن ما توفّره الصورة في التقارير المرئية”.
الموضوعية والهوية السيادية
لا تخاف فخري على حرية الإعلام في لبنان “لأن ثمنها مدفوع دماً ومتى فقدت الحرية فقد لبنان معناه وعلّة وجوده”. تضيف: “اليوم أفضل بكثير من قبل إذ شهدنا على سبيل المثال وقفة تاريخية للقضاء مع حرية الإعلام عبر القرار الجريء الذي إتخذته القاضية كارلا شواح والرافض لمنع mtv من تغطية أخبار الرئاسة الاولى. أذكر جيداً فترة القمع التي عشناها في زمن النظام الامني خصوصاً مع وقف نشرات الاخبار بالتزامن مع حل “القوات اللبنانية” عام 1994 وما تلاها من رقابة مباشرة من قبل النظام علينا في الـlbc وكانوا يدققون في كل صورة أو كلمة تنشر على الهواء”.
تعتبر أنّ الموضوعية لا تعني ألا يكون الإعلامي صاحب رأي أو إنتماء بل أن يحيط الموضوع من كل جوانبه من دون إجتزاء، مشدّدة على عدم الخلط بين التغطية الإعلاميّة وبين مقال الرأي. لا التزام سياسي لها ولكن لا تنفي هويتها السيادية، وتقول: “أنا أبنة عيناتا الارز، أبنة مجتمع متمسك بأرضه وحريته وإيمانه، ودفع ثمنها على مر التاريخ. لذا لا يمكن إلا ان أكون سيادية”.
لحظات طبعت دنيز
نسألها عن لحظات طبعت مسيرتها وشخصيتها وترسّخت في ذاكرتها ووجدانها، فتقول: “أتعس لحظة تغطية مسلسل الإنفجارات بعد عام 2005. أكثر لحظة مؤثرة لدى محاولة إغتيال الزميلة مي شدياق في أيلول 2005 حيث أجهشت بالبكاء على الهواء. أكثر لحظة فرحة، يوم 14 آذار والمشهد المليوني في ثورة الارز. أكثر لحظة خوف في حرب تموز 2006 حين كنت تغطي قصف جسر المعاملتين، وما هي إلا ثوان حتى قصف جسر الكازينو. أكثر لحظة لدى تغطيتي زيارة البابا يوحنا بولس الثاني للبنان عام 1997 حين رحت اناديه، فتوقف وباركني واعطاني مسبحة. أما أهم لحظة سياسية حين سألت الرئيس الاميركي دونالد ترامب في البيت الابيض.
سرقت المهنة من عمري على حساب أولادي أحياناً
أما اللحظة الشخصية المفصلية، فكانت حين قرّرت الإرتباط بحب حياتها جورج فخري عام 1996 وقد رزقا بشابة كريستال (23 عاماً) جوي (18 عاماً) ومارك (10 أعوام). عن هذه اللحظة تقول: “لقد سرقت المهنة من عمري على حساب أولادي أحياناً. اليوم، خصوصاً بعدما هاجرت كريستال، أسأل نفسي “هل أعطيت ولادي بقدر ما لازم. اليوم تفرغت أكثر للصغير وأقارن بالوقت الذي خصصته لأخويه”.
حين نسألها عن صحة المقولة السائدة بين الزميلات “وراء كل إعلامية ناجحة زوجها”، تجيب فوراً: “بالطبع، جورج كان سنداً لي في مسيرتي وشجعني دوماً على تحقيق ذاتي. لقد عوّض عن فراغي في المنزل. فهو أب مميز وشريك مميز ومتفهم ومنفتح”.
بعد 28 سنة، توجز دنيز نفسها بكلمة “بنت الارض”، فيما يُجمع أصدقاؤها الإعلاميون كما السياسيون على صدقها وشفافيتها ورقيها ومهنيتها. يقول أحدهم: “دنيز ما بتجامل وما بتمسح جوخ بتقولن بوجك. بس تنتقد بتوجّع بلا ما تجرح”. دنيز رحمة فخري تجربة من بين تجارب إعلامية عدة في لبنان، التحدي الأساسي لها أن تبقى متى غابت عن الشاشة حاضرة في ذاكرة المشاهدين.